فصل: ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة

قتل مرداويج بن زيار فـي هـذه السنة قتل مرداويج الديلمي صاحب بلاد الجبل وغيرها وسبب ذلك‏:‏ أنه لما كان ليلة الميلاد من هذه السنة أمر بأن تجمع الأحطاب وتلبس الجبال والتلال وخرج إِلى ظاهر أصفهان لذلك وجمع ما يزيد عن ألفي طائر من الغربان ليعمل في أرجلها النفط ليشعل ذلك كله ليلة الميلاد وأمر بعمل سماط عظيم فيه ألف فرس وألفا رأس بقر ومن الغنم والحلوى شيء كثير فلما استوى ذلك ورآه استحقره وغضب على أهل دولته وكان كثير الإِساءة إِلى الأتراك الذين في خدمته فلما انقضى السماط وإيقاد النيران وأصبح ليدخل إِلى أصفهان اجتمعت الجند المخدمة وكثرت الخيل حول خيمته فصار للخيل صهيل وغلبة حتى سمعها فاغتاظ وقال‏:‏ لمن هذه الخيل القريبة فقالوا للأتراك‏.‏

فأمر أن توضع سروجها على ظهور الأتراك وأن يدخلوا البلد‏.‏

كذلك ففعل بهم ذلك فكان له منظر قبيح استقبحه الديلم والترك فازداد حنق الأتراك عليـه ورحـل مرداويج إلى أصفهان وهو غضبان فأمر صاحب حرسه أن لا يتبعه في ذلك اليوم ولم يأمر أحداً غيره ليجمع الحرس ودخل الحمام فانتهزت الأتراك الفرصة وقتلـوه فـي الحمـام وكان مرداويج قد تجبر وعتا وعمل لأصحابه كراسي فضة يجلسون عليها وعمل لنفسه تاجاً مرصعاً على صفه تاج كسرى ولما قُتل قام بالأمر بعده أخوه وشمكير بن زيار‏.‏

  فتنة الحنابلة ببغداد

وفيها عظم أمر الحنابلة على الناس وصاروا يكبسون دور القواد والعامة فإن وجدوا نبيـذاً أراقوه وإن وجدوا مغنية ضربوها وكسروا آلة الغناء واعترضوا في البيع والشراء وفي مشي الرجال مع الصبيان ونحو ذلك فنهاهم صاحب الشرطة عن ذلك وأمر أن لا يصلي منهم إِمام إِلا إِذا جهر ببسم الله الرحمن الرحيم فلم يفد فيهم فكتب الراضي توقيعاً ينهاهم فيه ويوبخهم باعتقاد التشبيه فمنه‏:‏ إنكم تارة تزعمون أن صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال رب العالمين وهيئتكم على هيئته وتذكرون له الشعر القطط والصعـود إلـى السمـاء والنـزول إلـى الدنيا وعدد فيه قبائح مذهبهم وفي آخره أن أمير المؤمنين يقسم قسماً عظيماً لئن لم تنتهوا ليستعملن السيوف في رقابكم والنار في منازلكم ومحالكم‏.‏

ولاية الأخشيدية مصر وفـي هذه السنة تولى الأخشيدية وهو محمد بن طفج بن جف مصر من جهة الراضي‏.‏

وكان الأخشيد المذكور قبل ذلك قد تولى مدينة الرملة سنة ست عشرة وثلاثمائة من جهة المقتدر وأقام بها إلى سنة ثمان عشرة وثلاثمائة فوردت إليه كتب المقتدر بولايته دمشق فسار إليها وتولاهـا وكان حينئذ المتولي على مصر أحمد بن كيغلغ فما تولى الراضي عزل أحمد بن كيغلغ وولى الأخشيد المذكور مصر وضم إليها البلاد الشامية فسار الأخشيد من الشام إلى مصر واستقـر بها يوم الأربعاء لسبع بقين من شهر رمضان من هذه السنة أعني سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة‏.‏

قتل أبي العلاء بن حمدان كان ناصر الحسن بن عبد الله بن حمدان هو أمير الموصل وديار ربيعة وكان أول من تولى الموصل منهم أبو ناصر الدولة المذكور وهو عبد الله وكنيته أبو الهيجاء ولاه عليها المكتفي وقيـل أبـو الهيجـاء المذكور ببغداد في المدافعة عن القاهر لما قبض عليه وكان ابنه ناصر الدولة المذكـور نائباً عنه بالموصل واستمر بها إلى هذه السنة فضمن عمه أبو العلاء بن حمدان مابيد ابن أخيه من ديوان الخليفة بمال يحمله وسار أبو العلاء إلى الموصل فقتله ابـن أخيـه ناصـر الدولـة فلما بلغ الخليفة ذلك أرسل عسكراً إلى ناصر الدولة مع ابن مقلة الوزير فلما وصل إلى الموصل هرب ناصر الدولة ولم يدركه فأقام ابن مقلة بالموصل مدة ثم عاد إلى بغداد فعاد ناصر الدولة إلى الموصل وكتب إلى الخليفة يسأله الصفح وضمن الموصل بمال يحمله فأجيب إلى ذلك‏.‏

فتح جنوة وغيرها وفـي هذه السنة سير القائم العلوي صاحب المغرب جيشاً من إفريقية في البحر ففتحوا مدينة جنوة وأوقعوا بأهل سردانية وعادوا سالمين‏.‏

غير ذلك من الحوادث فيها استولى عماد الدولة بن بويه على أصفهان وبقي هو وشمكير يتنازعان تلك البلاد وهي أصفهان وهمذان وقم وقاشان وكرج والري وكنكور وقزوين وغيرها‏.‏

وفي هذه السنة في جمادى شغب الجند ببغـداد ونقبـوا دار الوزيـر وهـرب الوزيـر وابنـه إلـى الجانـب الغربـي ثـم راضوهـم فسكنـوا‏.‏

وفيهـا توفي إبراهيم ابن محمد بن عرفة المعروف بنفطويه النحوي الواسطي وله مصنفات وهو من ولد المهلب بن أبي صفرة ولد سنة أربع وأربعين ومائتين وفيه يقول الشيخ محمد بن زيد بن علي المتكلم‏:‏ من سره أن لا يرى فاسقاً فليجتهد أن لا يرى نفطويه أحرقه الله بنصـف اسمـه وصيـر الباقي صراخاً عليه

  ثم دخلت سنة أربع وعشرين وثلاثمائة

في هذه السنة قبض الحجرية والمظفر بن ياقوت على الوزير ابن مقلة لما حضر إلى دار الخلافة على العادة وأرسلوا أعلموا الخليفة فاستحسن ذلك ثم اتفقوا على وزارة علي بن عيسى فامتنع فولوا الوزارة أخاه عبد الرحمن بن عيسى ثم قبض عليه وولوا الوزارة أبا جعفر محمد بن قاسم الكرخي‏.‏

وفي هذه السنة قطع ابن رائق حمل واسط والبصرة وقطع البديدي حمل الأهواز وأعمالها فضاقت أموال بغداد وعجز أبو جعفر الوزير فعزلوه وكانت ولايته ثلاثة أشهر ونصف واستوزر سليمان بن الحسن ودام الحال على توقفه فراسل الخليفة محمد بن رائق وهو بواسط يستقدمه ليقوم بالأمـور وقلـده إمـارة

الجيش وأمر أن يخطب له على المنابر وقدم ابن رائق بغداد في أواخر ذي الحجة من هذه السنـة وكـان ابن رائق قد أمسك ساجية قبل دخوله إلى بغداد فاستوحشت الحجرية منه ومن حين دخل ابن رائق بطلت الوزارة من بغداد وبقي ابن رائق هو الناظر في الأمور جميعها وتغلب عمال الأطراف عليها ولم يبق للخليفة غير بغداد وأعمالها والحكم فيها لابـن رائـق وليس للخليفة فيها حكم وأما باقي الأطراف فكانت البصرة في يد ابن رائق المذكور‏.‏

وخورستان في يد البريدي‏.‏

وفارس في يد عماد الدولة ابن بويه‏.‏

وكرمان في يد أبي علي محمـد بـن إليـاس‏.‏

والـري وأصفهـان والجبـل فـي يـد ركـن الدولـة ابـن بويـه ويـد وشمكير ابن زيار أخي مرداويـج يتنازعـان عليهـا‏.‏

والموصـل وديـار بكـر ومضـر وربيعـة فـي يد بني حمدان‏.‏

ومصر والشام فـي يـد الأخشيـد محمـد بـن طغـج والمغـرب وإفريقيـة فـي يـد القائـم العلـوي ابـن المهدي‏.‏

والأندلس في يـد عبـد الرحمـن بـن محمـد الأمـوي الملقـب بالناصـر‏.‏

وخراسـان ومـا وراء النهـر فـي يد نصر بن أحمد بـن سامـان السامانـي‏.‏

وطبرستـان وجرجان في يد الديلم‏.‏

والبحرين واليمامة في يد أبي طاهر القرمطي‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة استقدم محمد بن رائق الفضل بن جعفر بن الفرات وكان على خراج مصر والشام فقدم بغداد وتولى الوزارة لابن رائق والخليفة‏.‏

وفي هذه السنة قلد الخليفة محمد بن طغج مصر وأعمالها مضافاً إِلى ما بيده من الشام بعد عزل أحمد بن كيغلغ عن مصر‏.‏

وفي هذه السنة ولد عضد الدولة أبو شجاع فناخسرو ابن ركن الدولة الحسن بن بويه بأصفهان‏.‏

وفيها توفي جحظة البرمكي من ولد يحيى بن خالد بن برمك وكان عارفاً بفنون شتى من العلـوم‏.‏

وفيها توفي عبد الله ابن أحمد بن محمد بن المفلس الفقيه الظاهري صاحب التصانيف المشهورة وعبد الله بن محمد الفقيه الشافعي النيسابوري ومولده سنة ثمان وثلاثيـن ومائتيـن وكان قد جالس الربيع والمزني ويونس أصحاب الشافعي وكان إماماً‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وعشرين وثلاثمائة

في هذه السنة أشار محمد بن رائق على الراضي بالمسير معه إِلى واسط لحرب ابن البريدي فأجابه وسار الراضي إِلى واسط وأمسك ابـن رائق بعض الأجناد الحجرية وأجاب ابن البريدي إِلى ما طلب منه ثم عاد الراضي وابن رائق إِلى بغداد ثم نكث أبو عبد الله بن البريدي عما أجاب إِليه فأرسل ابن رائق عسكراً مع بجكم واقتتل مع أبي عبد الله بن اليريدي فانهزم ابن البريدي إِلى عماد الدولة بن بويه وطمّعه في العراق وهون عليه أمر الخليفة‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة أساء عامل صقلية السيرة وظلم وكان عاملاً للقائمَ العلوي واسمه سالم بن راشـد فعصـت عليـه جرجنـت من صقلية وكتب إِلى القائم بذلك فجهز إِليه عسكراً وحاصروا جرجنت فاستنجد أهل جرجنت بملـك قسطنطينيـة فأنجدهـم ودام الحصـار إِلـى سنة تسع وعشرين فسار بعض أهلها ونزل الباقون بالأمان فأخذوا كبارهـم وجعلوهـم فـي مركب ليقدموا على القائم بإفريقية فلما توسطوا اللجة أمر مقدم جيش القائم فنقب مركبهم وغرقوا عن آخرهم‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن محمد الخزاز النحوي وله تصانيف في علوم القرآن‏.‏

  ثم دخلت سنة سـت وعشريـن وثلاثمائـة

فـي هـذه السنة سار معز الدولة بأمر أخيه عماد الدولة ابـن بويـه إِلـى الأهواز وتلك البلاد فاستولى عليها وكان سبب ذلك مسير ابن البريدي إلى عماد الدولة كما أشرنا إليه‏.‏

قطع يد أبي علي ابن مقلة وكان سببه‏:‏ أنه سعى في القبض على ابن رائق وإقامة بجكم موضعه وعلم ابن رائق بذلك فحبسـه الراضـي لأجـل ابـن رائق وترددت الرسل بين الراضي وبين ابن رائق في معنى ابن مقلة مرات عدة وآخرها أنهم أخرجوا ابن مقلة فقطعوا يده في منتصف شوال وعولج فبرأ وعاد يسعى في الوزارة وكان يشد القلم على يده المقطوعة ويكتب ثم بلغ ابن رائق سعيه وأنه يدعـو عليـه وعلـى الراضـي فأمر بقطع لسانه فقطع وضيق عليه في الحبس ثم لحق ابن مقلة مع ما هـو فيـه الـذرب ولـم يكـن عنـده فـي الحبـس مـن يخدمـه فقاسـى شـدة إِلـى أن مـات فـي الحبـس فـي شـوال سنـة ثمان وعشرين وثلاثمائة ودفن بدار الخليفة ثم إِن أهله سألوا فيه فنبش وسلم إِليهم فدفنوه في داره ثم نبش ونقل إِلى دار أخرى ومن العجب أنه ولي الوزارة ثلاث دفعات ووزر لثلاثة خلفاء‏:‏ المقتدر والقاهر والراضي‏.‏

وسافر ثلاث سفرات اثنتين إِلى شيراز وواحدة في وزارته إِلى الموصل ودفن بعد موته ثلاث مرات‏.‏

استيلاء بجكم على بغداد وفي هذه السنة سار بجكـم مـن واسـط إِلـى بغـداد غـرة ذي القعـدة وجهـز ابـن رائـق إِليـه عسكراً فهزمهم بجكم ولما قرب من بغداد هرب ابن رائق إِلى عكبراَ واستتر ودخل بجكم بغداد ثالث عشر ذي القعدة فخلع عليه الراضي وجعله أمير الأمراء وكانت مدة إِمارة ابـن رائق سنة وعشرة أشهر وستة عشـر يومـاً وهـذا بجكـم كـان مملوكـاً لوزيـر ماكـان بـن كاكـي الديلمي‏.‏

ثم أخذه ما كان منه ثم إنه فارق ماكان مع من فارقه ولحق بمرداويج ثم كان في جملة من قتل مرداويج ثم سار إلى العراق واتصل بخدمة ابن رائق وانتسب إِليه حتى كتب علـى رايتـه الرائقـي وسيـره ابـن رائـق إلـى الأهـواز فاستولـى عليها وطرد ابن البريدي ثم لما استولى ابـن بويـه علـى الأهـواز سـار بجكـم إِلـى واسـط‏.‏

ثـم سـار إِلـى بغـداد فطـرد ابـن رائـق واستولـى علـى بغداد وعلى حضرة الخليفة‏.‏

في هذه السنة فسد حال القرامطة ووقع بينهم الفتن والقتل فاستقروا في هجر‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وعشرين وثلاثمائة

فيها سار بجكم والراضي إِلى الموصل فهرب ناصر الدولة بن حمدان عنها ثم حمل مالاً واستقر الصلح معه ثم عاد الخليفة وبجكم إلى بغداد وظهـر ابـن رائـق مـع جماعة انضموا إِليه ببغداد قبل وصول الخليفة إِليها فخافه الخليفة وبجكم ثم استقر الحال على أن يولي على حرّان والرها وقنسرين والعواصم فسار ابن رائق واستولـى عليها‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة عصى أمية بن إسحاق على عبد الرحمن الأموي بشنترين واستنجد بالجلالقة فأنجدوه وهزموا المسلمين ثم التقوا مرة ثانية فانهزمت الجلالقة وكثر القتل فيهم وطلـب أميـة المذكور الأمان من عبد الرحمن الأموي فأمنه‏.‏

وفيها مات عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي صاحب الجرح والتعديل وعثمان بن خطاب أبو الدنيا المعروف بالأشج الذي يقال إِنـه لقـي علي بن أبي طالب وله صحيفة تروى عنه ولا تصح وقد رواها كثير من المحدثين على علم منهم بضعفها‏.‏

وفيها توفي محمد بن جعفر بمدينة يافا صاحب التصانيف المشهورة كاعتلال القلوب وغيره‏.‏

وفيها توفي الكعبي المعتزلي واسمه عبد الله ابن أحمد بن محمود وكنيته أبو

  ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة

استيلاء ابن رائق على الشام وفـي هذه السنة استولى ابن رائق على الشام فاستولى على دمشق وحمص وطرد بدراً نائب الأخشيد وسار حتى بلغ العريش يريد الديار المصرية فخرج إِليه الأخشيد وجري بينهم قتال شديد آخره أن ابن رائق انهزم إِلى دمشق ثم جهز الأخشيد إِليه جيشاً مـع أخيـه واقتتلـوا فانهـزم عسكـر الأخشيـد وقتـل أخوه فأرسل ابن رائق يعزي الأخشيد في أخيه ويقول له‏:‏ إِنه لم يقتـل بأمـري‏.‏

وأرسـل ولـده مزاحـم وقـال‏:‏ إِن أحببت فاقتل ولدي به فخلع الأخشيد على مزاحم وأعاده إلى أبيه واستقرت مصر للأخشيد والشام لمحمد بن رائق‏.‏

غير ذلك من الحوادث فـي هـذه السنـة قتـل طريـف السبكـري بالثغـر وفيهـا توفـي محمـد الكسلينـي - بالنـون - وهـو مـن أئمة الإمامية ومحمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ المقري وأبو محمـد المرتعـش وهـو مـن مشايـخ الصوفيـة وفيهـا توفـي أبـو بكـر محمـد بـن القاسم المعروف بابن الأنباري وهو مصنف كتاب الوقف والإبتداء الإمام المشهور في النحو والأدب وكان ثقة وولد سنة إحدى وسبعين ومائتين وفيها توفـي أبـو عمـر أحمـد بن عبد ربه بن حبيب القرطبي مولى هشام بن عبد الرحمن الداخل إِلى الأندلس الأموي وكان من العلماء المكثرين من المحفوظات وصنف كتابه العقد وهو من الكتب النفيسة ومولده في سنة ست وأربعين ومائتين‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وعشرين وثلاثمائة

موت الراضي بالله وفي هذه السنة في منتصف ربيع الأول مات الراضي بالله أبو العباس أحمد ابن المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق طلحة‏.‏

وكانت خلافته ست سنيـن وعشـرة أيـام وكـان عمـره اثنتيـن وثلاثيـن سنـة وكـان مرضـه علـة الاستسقاء وكان أديباً شاعراً فمن شعره‏:‏ يصفر وجهي إذا تأمله طرفـي فيحمـر وجهه خجلاً حتـى كـأن الـذي بوجنتـه مـن دم وجهـي إِليه قد نقلا ومن شعره أيضاً من أبيات‏:‏ كل صفو إِلـى كـدر كـل أمـن إِلـى حـذرْ أيها الآمن الذي تـاه فـي لجة الغرر أيـنَ مَنْ كان قبلنا درسَ العينُ والأثرْ درً در ُالمشيـب من واعظٍ يُنذر البشرْ وكان الراضي سخياً يحب الأدباء والفضلاء وكان سنان بن ثابت الصابي الطبيب من جملة ندماء الراضي وجلسائه وكان الراضي أسمر خفيف العارضين وأمه أم ولد اسمها ظلوم وهو آخر خليفة له شعْر يدون وآخر خليفة خطب كثيراً على منبر وإن كان غيره قد خطب فإِنه كان ناَدراً لا اعتبار به وكان آخر خليفة جالس الجلساء وآخر خليفة كانت نفقتـه وجراياتـه وخزانته ومطابخه وأموره على ترتيب الخلفاء المتقدمين‏.‏

  خلافة المتقي للّه

وهو حادي عشرينهم لما مات الراضي بقي الأمر موقوفاً انتظاراً لقدوم أبي عبد الله الكوفي كاتب بجكم من واسط وكان بجكم بها أيضاً واحتيط على دار الخلافة فورد كتاب بجكم مع أبي عبد الله الكوفي كاتب بجكم يأمر فيه أن يجتمع مع أبي القاسم سليمان بن الحسن وزير الراضي كل من تقلد الوزارة وأصحاب الدواوين والعلويون والقضـاة والعباسيـون ووجـوه البلد ويشاورهم الكوفي فيمن ينصب للخلافة فاجتمعوا واتفقوا على إِبراهيم بن المقتدر بالله أبي الفضل جعفر وبويع له بالخلافة في العشرين من ربيع الأول وعرضت عليه الألقاب فاختار المتقي لله ولما بويع له سير الخلع واللواء إِلى بجكم وهو بواسط وكان بجكم قبل استخلاف المتقي قد أرسل إِلى دار الخلافة وأخذ منهـا فرشـاً وآلـات كـان يستحسنهـا وجعـل سلامـة الطولوني حاجب المتقي وأقر سليمان بن الحسن وزير الراضي علـى وزارتـه وليـس لـه مـن الوزارة إِلا اسمها وإنما التدبير كله إِلى الكوفي كاتب بجكم‏.‏

قتل ماكان بن كاكي كان ماكان بن كاكي قد استولى على جرجان فقصده أحد قواد السامانية بعسكر خراسان وهو أبو علي بن محمد بن مظفر بن المحتاج فهزم ماكان عن جرجان فقصد ماكان طبرستان وأقام بها‏.‏

ثم سار أبو علي بن المحتاج المذكور عن جرجان إِلى الري ليستولي عليها وبها وشمكير بن زيار أخو مرداويج فأرسل وشمكير يستنجد ماكان بن كاكي من طبرستان فقدم ماكـان بـن كاكيَ من طبرستان وبقي مع وشمكير وقاتلهما أبو علي بن المحتاج فجاء سهم غرب فوقع فَي رأس ماكان ونفذ من الخوذة إِلى جبينه حتى طلع من قفاه فوقع ماكان بن كاكي ميتاً وهرب وشمكير إِلى طبرستان واستولى أبو علي ابن المحتاج على الري‏.‏

قتل بجكم وفـي هـذه السنة قتل بجكم وكان بجكم قد أرسل جيشاً إِلى قتال أبي عبد الله البريدي‏.‏

ثم سار من واسط في أثرهم فأتاه الخبر بنصرة عسكره وهرب البريدي‏.‏

فقصد الرجوع إِلى واسط وبقي يتصيد في طريقه حتى بلغ نهر جور فسمـع أن هنـاك أكـراداً لهـم مـال وثـروة فشرهـت عينـه وقصدهـم فـي جماعـة قليلـة وأوقـع بهـم فهربوا من بين يدي بجكم وجاء صبي من الأكـراد مـن خلـف بجكم وطعنه برمح فيِ خاصرته ولا يعرفه فمات بجكم من تلك الطعنة‏.‏

ولما بلغ قتله المتقي استولى على دار بجكم وأخذ منها أموالاً عظيمة و أكثرها كانت مدفونة وأتى البريدي الفرج بقتل بجكم من حيث لا يحتسب‏.‏

وكانت مدة إِمارة بجكم سنتين وثمانية أشهر وأيامـاً‏.‏

ولمـا قتـل بجكـم سـار البريـدي إِلـى بغداد واستولى على الأمر أياماً ثم أخرجه العامة عنها لسوء سيرته ثم استولى على الأمر كورتكين مدة قليلة فسار ابن رائق من الشام إلى بغداد واستخلـف علـى الشـام أبـا الحسـن أحمد بن علي بن مقاتل ولما وصل ابن رائق إِلى بغداد جرى بينـه وبيـن كورتكين قتال آخره أن ابن رائق انتصر على كورتكين وهزمه ثم ظفر بعد ذلك ابن رائق بكورتكين وحبسه وقلد المتقي لابن رائق إِمرة الأمراء ببغداد‏.‏

غير ذلك من الحوادث فيها توفي متى بن يونس الحكيم الفيلسوف وبختيشوع بن يحيى الطبيب‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاثين وثلاثمائة

استيلاء ابن البريدي علي بغداد وقتل ابن رائق في هذه السنة عاد البريدي فاستولى على بغداد وهرب ابن رائق والخليفة المتقي إِلى جهة الموصل ونهب البريدي بغداد وحصل منه من الجور والظلم والعسف مـا لا زيـادة عليـه ولمـا وصل المتقـي وابـن رائـق إلـى تكريـت كاتبـا ناصـر الدولـة ابـن حمـدان يستمدانـه وقدمـا إِلـى الموصل فخرج عنها ناصر الدولة إِلى الجانب الآخر فأرسل المتقي إِليه ابنه أبا منصور وابن رائق فأكرمهما ناصر الدولة ونثر على ابن الخليفة دنانير ولما قاما لينصرفا أمر ناصر الدولـة أصحابه بقتل ابن رائق فقتلوه‏.‏

ثم سار ابن حمدان إِلى المتقي فخلع المتقي عليه وجعله أمير الأمـراء ولـك فـي مستهل شعبان من هذه السنة وخلع على أخيه أبي الحسن علي ولقبه سيف الدولة وكان قتل ابن رائق يوم الاثنين لسبع بقين من رجب من هذه السنة أعني سنة ثلاثين وثلاثمائة ولما بلغ الأخشيد صاحب مصر قتل ابن رائق سار إلى دمشق فاستولى عليها‏.‏

ثم سار المتقي وناصر الدولة إِلى بغداد فهرب عنهـا ابـن البريـدي ونهـب النـاس بعضهـم بعضـاً ببغداد وكان مقام ابن البريدي ببغداد ثلاثة أشهر وعشرين يوماً ودخل المتقي إِلى بغداد ومعه بنو حمدان في جيوش كثيرة في شوال من هذه السنة‏.‏

ولما استقر ناصر الدولة ببغداد أمر بإِصلاح الدنانير وكان الدينار بعشرة دراهم فبيع الدينار بثلاثة عشر درهماً‏.‏

غير ذلك من الحوادث فيها مات أبو بكر محمد بن عبد الله المحاملي الفقيه الشافعي ومولـده سنـة خمـس وثلاثيـن ومائتيـن‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو الحسـن علـي بـن إِسماعيـل بـن أبـي بشـر الأشعـري وكان مولده سنة ستين ومائتيـن ببغـداد ودفـن بمشرعـة الزوايـا ثـم طمس قبره خوفاً عليه لئلا تنبشه الحنابلة وتحرقه فإنهم عزموا على ذلك مراراً عديدة ويردهم السلطان عنه‏.‏

وهو من ولد أبي موسـى الأشعـري وَاشتغل بعلم الكلام على مذهب المعتزلة زماناً طويلاً‏.‏

ثم خالف المعتزلة والمشبهة فكانت مقالته أمراً متوسطاً وناظر أبا علي الجبائي في وجوب الأصلح على الله تعالى فأثبته الجبائي على قواعد مذهبه‏.‏

فقـال الأشعـري مـا تقـول فـي ثلاثـة صبيـة اختـرم اللـه أحدهـم قبـل البلوغ وبقي الاثنان فآمن أحدهما وكفر الآخر ما العلة في اخترام الصغير‏.‏

فقال الجبائي‏:‏ إِنما اخترمه لأنه علم أنه لو بلغ لكفر فكان اخترامه أصلح له‏.‏

فقال له الأشعري‏:‏ فقد أحيا أحدهما فكفر‏.‏

فقال الجبائي‏:‏ إِنما أحياه ليعرضه لأعلى المراتب أي ليبلغ ويصير أهـلاً للتكليـف لـأن الصبـي والحيوان غير مكلف فإِذا أدرك الصبي صار مكلفاً وهي أعلى المراتب لأنها المرتبة الإنسانية‏.‏

فقال الأشعري‏:‏ فلم لا أحيى الذي اخترمه ليعرضه لأعلى المراتب‏.‏

فقال الجبالًي‏:‏ وسوست‏.‏

فقال الأشعري‏:‏ ما وسوست ولكن وقف حمار الشيخ على القنطرة يعني أنه انقطع‏.‏

ثم أظهر الأشعري مذهبه وقرره فصارت مقالتـه أشهـر المقالـات حتـى طبـق الـأرض ذكرهـا ومعظم الحنابلة يحكمون بكفره ويستبيحون دمه ودم من يقول بقوله وذلك لجهلهم وكان أبو علي

  ثم دخلت سنة إِحـدى وثلاثيـن وثلاثمائـة

فـي هـذه السنـة سـار ناصـر الدولـة عـن بغداد إِلى الموصل وثارت الديلم ونهبت داره وكان أخوه سيف الدولة بواسط فثارت عليه الأتـراك الذيـن معـه وكبسـوه ليلاً في شعبان فهرب سيف الدولة أبو الحسن علي إِلى جهة أخيه ناصر الدولة أبي محمد الحسن بن عبد الله بن حمدان ولحق به ثم قدم سيف الدولة إِلى بغداد وطلب من المتقي مالاً ليفرقه في العسكر ويمنع تورون والأتراك من دخول بغداد فأرسل إِليه المتقي ربع مائة ألف دينار ففرقها في أصحابه ولما وصل تورون إِلى بغداد هرب سيف الدولة عنها ودخـل تـورون بغـداد فـي الخامـس والعشريـن مـن رمضـان في هذه السنة فخلع المتقي عليه وجعله أمير الأمراء وبقيِ المتقي خائفاً من تورون‏.‏

وتورون بتاء مثناة من فوقها مضمومة وواو ساكنة وراء مهملة مضمومة وواو ثم نون هو اسم تركي مشتق من اسم الباطية لأن الباطية اسمها بالتركي تروو بتاء وراء مضمومتين وواين ساكنتين‏.‏

موت نصر بن أحمد بن إسماعيل الساماني وفي هذه السنة توفي أبو السعيد نصر بن أحمد الساماني صاحب خراسان وما وراء النهر وكـان مرضـه السـل فبقي مريضاً ثلاثة عشر شهراً وكانت ولايته ثلاثين سنة وثلاثة وثلاثين يوماً وكـان عمـره ثمانيـاً وثلاثيـن سنـة وكـان حليمـاً كريماً ولما مات نصر بن أحمد تولى بعده ابنه نوح بن غير ذلك من الحوادث في هذه السنة أرسل ملك الروم يطلب من المتقي منديلاً زعم أن المسيح مسح به وجهـه فصـارت صـورة وجهـه فيه وأن هذا المنديل في بيعة الرها وأنه إن أرسله أطلق عدداً كثيراً من أسرى المسلمين فأحضر المتقي القضاة والفقهاء واستفتاهم في ذلك فاختلفوا‏.‏

فقال بعضهم‏:‏ ادفعه إِليهم وإطلاق الأسرى أولى‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إِن هذا المنديل لم يزل في بلاد الإسلام ولم يطلبـه ملـك الـروم منهـم ففـي دفعـه إليهـم غضاضة وكان في الجماعة علي بن عيسي الوزير فقال‏:‏ إِن خلاص المسلمين من الأسر والضنك أولى من حفظ هذا المنديل فأمر الخليفة بتسليمه إليهم وأرسل من تسلم الأسرى فأطلقوا‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي محمـد بـن إِسماعيـل الفرغانـي الصوفي أستاذ أبي بكر الدقاق وهو مشهور بيـن المشايـخ‏.‏

وفيهـا مـات سنـان بـن ثابـت بـن قـرة بعلـة الـذرب وكـان حاذقـاً فـي الطـب ولـم يغن عنه شيئا عند دنو الأجل‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة

فيها سار المتقي عن بغداد خوفاً من تورون وابن شيرزاد إِلى جهة ناصر الدولة بالموصل وانحدر سيف الدولة إلى ملتقى المتقي بتكريت ثم انحدر ناصر الدولة إِلى تكريت وأصعد الخليفة إلى الموصل ثم سار الخليفة وبنو حمدان إِلى الرقة فأقاموا بها وظهر للمتقي تضجر بني حمدان منه وإيثارهم مفارقته فكتب إِلى تورون يطلب الصلح منه ليقدم إلى بغداد وخرجت السنة على ذلك‏.‏

غير ذلك من الحوادث فـي هـذه السنة خرجت طائفة من الروس في البحر وطلعوا من البحر في نهر الكر فانتهوا إِلى مدينـة برْدَعَـة فاستولـوا علـى بردعـة وقتلـوا ونهبوا ثم عادوا في المراكب إِلى بلادهم‏.‏

وفيها مات أبو طاهر القرمطي رئيس القرامطة بالجدري وفيها كان ببغداد غلاء عظيم‏.‏

وفيها استعمل ناصر الدولة بن حمدان محمد بن علي بن مقاتل على قنسرين والعواصم وحمص‏.‏

ثم استعمل بعده في السنة المذكورة ابن عمه الحسين بن سعيد بن حمدان على ذلك‏.‏